كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى} الأصل أن عيسى عليه الصلاة والسلام في الترتيب ليس بعد يعقوب والأسباط وإنما عيسى آخر الأنبياء قبل نبينا صلى الله عليه وسلم وفي هذا فائدتان:
الفائدة الأولى: أن الله ذكر عيسى مقدما هنا لأن الخطاب هنا أصلا موجه للنبي عليه الصلاة والسلام وهو يخاطب بني إسرائيل لأن مر معنا أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يجادل من؟ نصارى نجران قلنا إن النبي عليه الصلاة والسلام كان يجادل نصارى نجران والآيات قريبة مما قبلها تتكلم عن النصارى فتقديم عيسى هنا لمناسبة الآية بما قبلها هذا واحد.
الفائدة الثانية: بما أن عيسى ليس الأول فهذا دليل على أن الواو العاطفة لا تفيد الترتيب. وإن كان في المسألة أقوال للعلماء لكن الواو العاطفة لا تفيد الترتيب.
ثم قال الله جل وعلا: {وعيسى وأيوب} أيوب عليه الصلاة والسلام من ذرية يعقوب أي من بني إسرائيل. وقد جعله الله جل وعلا قدوة ومثالا وموعظة للصابرين. وهو عبد صالح ونبي مرسل بنص القرآن كما في هذه الآية، هذا النبي ابتلاه الله جل وعلا بعد أن كان حسن الخلقة ابتلاه الله بمرض في الظاهر والباطن، ومكث في المرض عليه الصلاة والسلام ثمانية عشر عاما وهو صابر محتسب حتى كان ذات يوم فقد أبناءه طبعا في الفترة هذه فقد بعض أهله تخلى الناس عنه لم يبقى له إلا صاحبان وزوجته.
وكانت بارة فيه وغضب عليها مرة فحلف بالله أن يضربها إن شفاه الله مائة جلدة، إذ أن الإنسان مع المرض يحدث منه أشياء عاجلة، بقي له صاحبان خرجا من عنده ذات يوم وأخذا يتحدثان فيه، رواه أبو يعلى والحاكم في مستدركه بسند صحيح وصححه العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، خرجا من عنده ثم أخذا يتحدثان عنه فقال أحدهما للأخر: ألا ترى أن أيوب قد أذنب ذنبا عظيما وإلا يمكث ثمانية عشر عاما ولم يشفه الله؟- حتى تعلم أن الناس في تقبلها للآخرين يبقى مهما بقي تصورها ماذا؟ تصور ضيق والأمور مردها إلى الله تنظر حسب ما ترى، ولا يمكن أن يعطى إنسان العلم كله، هذان صاحبان حميمان ومع ذلك يقولان عنه هذا القول وهو نبي مرسل- لما رجعا إليه ما صبرا أخبراه قالوا: إننا تحدثنا في شأنك وقلنا إنك أذنبت ذنبا عظيما وإلا لا يعقل أن تمكث في البلاء ثمانية عشر عاما لا يشفيك الله، فقال عليه السلام: «لا أدري ما تقولان إلا أنني أمر على الرجلين- وهنا تأمل كيف يعظم أنبياء الله ربهم- أمر على الرجلين يتنازعان فيحلفان الإثنان بالله فأعلم أن أحدهما كاذب- لأنه لا يعقل أن يصدق الاثنان وهما متنازعان- فأذهب إلى بيتي فأكفر عن أحدهما كراهية أن يذكر الله إلا بحق»، فخرجا من عنده، وكان عندما يقضي حاجته تذهب معه زوجته، أخذته ليقضي الحاجة وأوصلته إلى منتهى المكان الذي تريد أن يقضي فيه الحاجة وتركته يتكئ عليها لضعفه، ثم انتظرته كالعادة، وهو في الطريق أصابه ما أصابه من الهم فسأل الله جل وعلا كما قال الله جل وعلا عنه: {وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين} [الأنبياء: 83]، وفي الآية التي في سورة ص: {واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب} [41].
ففجر الله من تحته عينا وقال له اشرب واغتسل {اركض برجلك} فركض {هذا مغتسل بارد وشراب} فشرب فبرئ باطنه كل وجع داخلي انتهى، واغتسل فبرئ ظاهره. فأصبح تام الخلقة حسن الوجه فرجع معافى إلى من؟ إلى زوجته، لكنها لم تعرفه، فقالت: يا فلان أمر معك هذا النبي المبتلى فوالله إنه عندما كان غير مريض من أشبه الناس بك فقال لها: «أنا نبي الله أيوب». رجع معها صلوات الله وسلامه عليه.
مكثه ثمانية عشر عاما من أعظم وأجل أنواع الصبر ولذلك لما نعته الله جل وعلا في القرآن قال: {إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب}.
قال العلماء الربانيون:
إن نعم الثناء من الله ليس بالأمر الهين. أن يقول الرب الجليل جل جلاله عن أحد عباده {نعم العبد} إلا لعلم الله بسريرة ذلك العبد وأنه أهل لهذا الثناء والمدح الإلهي. وقد من الله على أيوب عليه الصلاة والسلام بهذا العطاء.
زيادة في الخير كان له أندران يعني بيادر كبيرة فيها قمح وشعير، فجاءت سحابتان- وهذا حديث صحيح- فأفرغت إحداهما على مكان القمح ذهبا وعلى مكان الشعير فضة فضلا من الله جل وعلا عليه وإكراما لصبره صلوات الله وسلامه عليه. من مات من ذريته وأولاده وأهله أحياهم الله جل وعلا إكراما له.
فالله جل وعلا إذا أعطى لا يسأله أحد عما يفعل تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
قال سبحانه: {وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين (83) فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا} هذه لأيوب {وذكرى للعابدين (84)} أي لمن صنع في صبره صنيع من؟ صنيع أيوب. هذا أيوب عليه الصلاة والسلام.
قال الله جل وعلا: {وعيسى وأيوب ويونس} أما يونس عليه الصلاة والسلام فهو يونس ابن متى عليه الصلاة والسلام بعثه الله جل وعلا إلى أرض نينوى من أهل الموصل من بلاد الموصل في أرض العراق حاليا. هذا النبي خرج مغاضبا في قصة مشهورة مرت معنا مرارا لا حاجة لذكرها لكن الذي يعنينا أنه عليه الصلاة والسلام قال الله جل وعلا عنه: {وذا النون} أي وصاحب الحوت {إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} الأنبياء 87.
وجاء في السنة كما في البخاري وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقل أحدكم أنا خير من يونس ابن متى» هذا الحديث مشكل لأن له مفهومين:
المفهوم الأول: أن يكون قوله عليه الصلاة والسلام لا يقل أحدكم (أنا خير) أنا هذه عائده على النبي صلى الله عليه وسلم فإذا قلنا بها يصبح المعنى لا يفضل أحد بيني أي النبي صلى الله عليه وسلم وبين غيره من الأنبياء. وهذا بعيد في ظني لأن النبي عليه الصلاة والسلام أفضل من كل الأنبياء ولا حاجة لتأكيد يونس لوحده وإن قال به فريق من العلماء.
أما المفهوم الثاني: وهو الأرجح معناه لا يقل أحد من الناس عن نفسه يرى صلاحه وتقواه وصلاته وصيامه أنه أفضل من يونس. طيب ما لذي يدفع الناس لأن يقول أحدهم أنا أفضل من يونس. ما ذكره الله جل وعلا عن يونس من نوع عتاب فإن الله قال في كتابه: {ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم} القلم 48، فقالوا هذه الآية تشعر أن يونس ليس بذلك الكمال، فيأتي إنسان يرى في نفسه الكمال العظيم فيظن أنه خير من يونس. فقال عليه الصلاة والسلام حسما للباب: «لا يقل أحدكم أنا خير من يونس ابن متى». فيونس عليه الصلاة والسلام نبي مرسل قلنا أرسله الله إلى أرض نينوى من أرض الموصل من أرض العراق حاليا.
{وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان} أما يونس بيناه أما هارون فهو الأخ الأكبر لموسى عليهم الصلاة والسلام وكان فرعون لما اشتكاه الأقباط أنه إذا أفنى بني إسرائيل لا يبقى لهم خدم أصبح يقتل عاما ويبقي عاما، فولد هارون في العام الذي لا قتل فيه وولد موسى في العام الذي فيه قتل.
هارون كان أكبر من موسى وجعله الله جل وعلا رسولا نبيا بشفاعة موسى قال الله جل وعلا: {ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا (53)} مريم. وقال الله عن موسى {وكان عند الله وجيها} الأحزاب 69.
جاء في حديث الإسراء والمعراج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنه رأى في السماء الخامسة: «ورأيت رجلا تكاد تلامس لحيته سرته قلت من هذا يا جبرائيل قال: هذا المحبب في قومه هارون ابن عمران».
كان هارون سمحا لينا ولذلك كان محببا في بني إسرائيل.
وافترقت بني إسرائيل على ولايته لما ذهب موسى يكلمه ربه كما سيأتي. هذا هارون ابن عمران عليه الصلاة والسلام.
ثم قال الله: {وأيوب ويونس وهارون وسليمان} سليمان ابن داوود وسيأتي بيان داوود عليهم الصلاة والسلام، أما سليمان قلنا إنه ابن داوود وقد من الله جل وعلا عليه بأن استجاب دعائه عندما قال: {رب اغفرلي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي أنك أنت الوهاب} إذا جئت تسأل الله فلا تسأل الله على قدر ما تظنه في الناس ولكن اسأل الله على قدر ما تظنه في ربك. الله جل وعلا أعظم مسؤول. هذا سليمان يفقه هذه جيدا فلما سأل ربه سأل ربه على قدر ما يعلمه عن ربه لا ما قدر ما يستحقه، فنحن لا نستحق شيئا لكننا نسأل الله على قدر علمنا بعظمة ربنا وجلال قدرته وأن خزائنه لا تنفد سبحانه وتعالى.
فهذا النبي الصالح قال: {قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب} ص53، فمن الله جل وعلا عليه وأعطاه ما سأل فسخر الله تعالى له بعدها {فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب} ص36.
حتى أصبح في الأمثال يقال: ملك سليمان كناية عن الملك العظيم الذي لا يعطى لأي أحد وهذا فضل من الله جل وعلا له.
ثم قال سبحانه: {وآتينا داوود زبورا} داوود والد من؟ والد سليمان وهذا دلالة كذلك على أن الواو لا تعني الترتيب وإن كانت هذه: {وآتينا داوود زبورا} ممكن أن تكون واو استئنافيه.
داوود عليه الصلاة والسلام أحد أنبياء بني إسرائيل وهو الذي يسمى عند النصارى اليوم: ديفيد. وكلمة كامب ديفيد معناها مخيم داوود. داوود عليه الصلاة والسلام أحد أعظم أنبياء بني إسرائيل وعلى يديه قتل جالوت {وقتل داوود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة} البقرة 251، كما قال جل وعلا.
هذا النبي لما مسح الله جل وعلا كما عند الترمذي بسند صحيح على ظهر آدم وخرج من ظهر آدم ذريته رأى آدم كل نسمة كائنة من ذريته إلى يوم القيامة. فرأى فيما رأى منهم غلاما أزهر فيه وبيص نور بين عينيه، قال: «يا رب من هذا؟»- طبعا هو أبو البشر لكن لا يعرفهم هذا عالم الأرواح الأول- قال له ربه: «هذا رجل من ذريتك يكون في آخر الزمان يقال له داوود»، قال: «كم جعلت عمره» قال: «ستين عاما» فقال: «يا رب زده أربعين» فقال الله: «إلا أن يكون من عمرك» فوافق آدم، وكان الله قد أعطى آدم ألف عام، فلما جاء ملك الموت ليقبض آدم نسي آدم أنه أعطى ابنه داوود أربعين عام. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فنسي آدم فنسيت ذريته وجحد آدم فجحدت ذريته» فأتم الله الألف لآدم والمائة لداوود عليهم الصلاة والسلام.
هذا النبي قال الله عنه: {واذكر عبدنا داوود ذا الأيد إنه أواب} ص17، كلمة {ذا الأيد} جمع الله له قوة القلب وقوة البدن في الطاعة.
الإنسان أحيانا يكون عنده رغبة في الطاعة لكن الكسل يكون بدني مثلا مهدود، رجل كبير، شاب مريض، قادم من عمل مضني متعب فالرغبة لا يطيقها البدن، وأحيانا يكون في الإنسان عافية وقدرة لكنه نائم يعني ما كان وراءه تعب لكن ما عنده قلب يريد أن يقوم الليل، فاجتمع في داوود قوة القلب على الطاعة وقوة البدن. وهذا من أفضال الله جل وعلا على عباده.
لو أراد شخص في يوم واحد أن يطبق سنة داوود عليه الصلاة والسلام ما لذي يلزمه؟
{ذا الأيد إنه أواب} من الله عليه بخصلتين حسن الصلاة وحسن الصيام قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: «أحب الصلاة إلى الله صلاة داوود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه». الآن آذان المغرب يؤذن الساعة السابعة وصلاة الفجر تكون الساعة الرابعة أي أن الليل تسع ساعات بالضبط، لو أراد شخص في يوم واحد أن يطبق سنة داوود عليه الصلاة والسلام ما لذي يلزمه؟